السبت، 29 نوفمبر 2008

يا أيها الحالمون... مهلاً!


لم نكن في صلب المعركة، لكنَّها بالتأكيد كانت في صلبنا، حين مضى الوقت مثقلاً نحو التاريخ. فعلى الرغم من صعوبة العربي لنيل "الفيزا" إلى بلاد العم سام، شَعرنا رغم الطبيعة، بأننا هناك، متنقلين بين بينسلفينيا وفلوريدا، بين أوهايو وميريلاند. لقد تمنى مليارات العالم الستة (عدا الاسرائيليين طبعًا!) أن يتربع الرجل الأسود على عرش مملكة البيض، وفي الفجر الفاصل بين الرابع والخامس من تشرين الثاني، تجلى "الخسوف" بشكله الجديد... باراك حسين أوباما، يغيّر لون أمريكا.
اللحظات التاريخية لا تعود على نفسها. تأتي بلحظة، لتفرض حضورها على الواقع الذي سيسجّلها في صفحاته الرئيسية، لكنَّها بالتأكيد تفقد رونقها عند الخوض في التقليد، تمامًا كما يفقد الحلم معناه عندما يتحقق. سيجد العالم نفسه، بعد انفضاض العناوين البرّاقة، معتادًا على مشهد "الرئيس الجديد" في خطاباته لـ "الأمة"، وسنكتشف ربما، دون أن نقصد، أنَّ تغييرَ اللون لا يعني بالتأكيد تغيير المضمون. فيا أيّها الحالمون مهلاً...

من يقلّب في صفحات كتب الرئيس الجديد، سيعشق الإرادة التي ولدت من رحم اللاشيء. في كتابه الأول "حلم أبي"، خطَّ أوباما بداية الحلم؛ فتى أسود ولد لأبٍ أفريقي وأمٍ أمريكية بيضاء في وقت كان الزواج بين اللونين ممنوعًا في "أرض الحريات" أمريكا. من هناك انطلق فاقدًا في كل مرحلة واحدًا من أفراد عائلته، ليتربى نهاية في كنف جدته البيضاء التي ماتت قبل افتتاح صناديق الاقتراع بساعات. ستدخل هذه القصة إلى دراسات "الحلم" فعلاً، وسيتبناها المحاضرون، لكنَّ "قصص النجاح" تنتهي عند أعتاب القمة، وأوباما الذي تزوجت أمه كينيّا وأندونيسيًا أيضًا، سيدخل التاريخ ليس من بابه الأفريقي، إنّما من بابه الأبيض، إلى جانب جون كينيدي وريتشارد نيكسون، إلى جانب بوش الأب وابنه الضال، تاركًا قصته المثيرة للمحاضرات والكتب الأكثر مبيعًا في العالم.

ليس أوباما، إنَّها سوداوية السياسة، إنَّه النفوذ الأمريكي المعشش في كل زاوية. فحتى لو كان صاحب الحلم نبيًا واستطاع أن يفرض حضوره في مكان جرَّب كل أصناف العبودية، وأن يبعث الأمل إلى نفوس العالقين في هارليم، فإنَّه سيحتاج دهورًا لتبييض صفحة الأمريكيين في بغداد وبيروت وغزة وأفغانستان. في غوانتانمو وكوبا وكل أمريكا الجنوبية.

لا أحد يبتغي انكار الفرح، كلّنا بحاجة إلى فسحة في أرض الضياع لنناقش السياسة مبتسمين. كلنا نحب أن نحكي عن "ليلة بقرب أوباما"، لكنَّ علينا أن نعي، بأن رجل الكاريزما الحالم بكل ما أوتي من تغيير، واحتل معاقل الجمهوريين والمحافظين الجدد، لم يستمد قوته بفعل طرحه الليبرالي في الشرق الاوسط، بل من شعور الأمريكيين بأزمة تجتاح جيوبهم وتهدّد هيمنتهم الممتدة على مدار عقود. فقد شعر هؤلاء بضياع نفوذهم مع اقتراب الدب الروسي إلى معاقل الشرق الأوسط. كان عليهم تجريب الجديد، وأدركوا أن صناعة التاريخ وحدها ستنقذهم من التاريخ، حتى لو جاء على ظهر شخص أسود.

أوباما سيدخل إلى البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني محاطًا بكل ما هو تقليدي في السياسة الأمريكية، من هيلاري كلينتون ودنيس روس وصولا إلى كولن باول، بالإضافة إلى رجل، إسرائيلي الاصل، سيكون مديرًا للبيت الأبيض. سيدفع أوباما بالطبع "الضريبة الكلامية"، وسيقول إنه يؤيد قيام دولة فلسطينية، لكن نفس أوباما كان قد صرّح تأييدًا لإسرائيل كـ "دولة يهودية"، مشددًا على أن "القدس موحدة"، وبالتأكيد لن يؤيد حق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم. سيحلم بدولة فلسطينية، لكن كما تريدها إسرائيل.

لقد صنع الأمريكيون تاريخًا فعلاً، وانتخبوا ما ليس متوقعًا. صناعة الكتب ستزدهر بفعل الحدث، وربما سيحيي أوباما هوليوود نحو سيناريو آخر، وبالطبع سيكون نجمها المستقبلي ربما أكثر من السياسيين السينمائيين رونالد ريغن وأرنولد شيفارزنيغر. سيكون أوباما نجم الخليج الصاعد، من الرياض حتى بئر المكسور. لكنَّ قبل أن يبدأ "الحلم" مهامه الواقعية، سنتوقف قليلاً، ونقول إن تاريخنا، لن يكتبه إلا نحن، وأوباما سيبقى حلم أمريكا، فهنيئًا لهم بحلمهم، ويا ليتنا نكتشف، نحن المستلقين على أسرة الشرق الأوسط، بأن الأحلام لا تأتي في النوم كما نعتقد، فهناك فرق بين الحلم وصناعته...
هلا استيقظتم؟!

الأحد، 2 نوفمبر 2008

قبل أن يتسلل الجنون!


الهواء يطرق النافذة مصفرَّا، والشمس تتجه نحو مولدٍ آخر، إلى بلاد أخرى، ليكتسي البحر بلونه الرمادي العائد إليه من جديد. قطرات الماء تداعب الأسفلت رويدًا رويدًا حتى تستحله إلى بعد حين. الشتاء يعود هذه المرة بعنف الرومانسيين دون أن يحذر من عواصفه المستفحلة. سنرتدي الملابس الثقيلة، ونخشى أن يعشش فيها دخان السجائر في الحانات المغلقة. وهكذا قرّر العرب، أن الرومانسية تأتي مع الشتاء حتمًا.

وماذا يفعل كارهو الانفلونزا والبرد المعشش في زوايا الشوارع؟ عليهم الاعتياد، تمامًا كما اعتاد محبو الشتاء حرّ الصيف. هكذا يتفق الناس على ما هو قادم من السماء ويرضون بالواقع حين يكون مفروضًا عليهم. يبرمون اتفاقًا بديهيًا، ويلتزمون به قبل أن يوقع. كلهم راضون بـ "المكتوب".
ولكن السيناريو العبثي يأتي حين يعرض الأمر للتصويت. عندها ستشتعل الأمور بين المحبين والرافضين، وسيتجلى الخلاف مع بداية كل فصل... أحيانًا، الديمقراطية تقلب معايير الهدوء في شعب أدمن النقاش والخلاف على الهواء...

سؤال!
لكن الحياة ليست محصورة بالشتاء، ثمة قضايا لا تصلح لها العبارات الرومانسية. سنجد دائمًا على ماذا نختلف دون حاجة للاختلاف على الطقس والطقوس. فقد وعدنا الهواء بما يكفي من عهود الأرق: من تهديدٍ إلى حرب وإلى توتر، ومن انتخابات محلية إلى قطرية، ومن كل شيءٍ إلى لاشيء، كم كثرت التفاصيل، حتى تسلل الجنون إلى أبسطها، ليجد الإنسان العاديّ نفسه واقعًا في تناقضاته الذاتية، وعالقًا في شباك التساؤل. نعم، نعترف مرغمين، بأننا لم نولد في بلاد باردةٍ تدلل أبقارها في موسم الحليب، ولا يصحو أبناؤنا على صوت الدولفين المتصاعد من البحيرة القريبة. فنحن العالقين الأزليين في أرض "البرتقال الحزين"، وصرنا رهينة لكل مقومات الجنون. فهل ندرك معنى الجنون؟

ما بالكم حين تتجه "باحة الديمقراطية" للمرة السادسة إلى صنادق الاقتراع منذ العام 1996؟ لن نناقش المسألة، سنتجه مرغمين أو مسيّرين نحو السيناريوهات الأزلية ذاتها، وسنمشي متخوفين من وراء الشعار، وفقدان الخطاب؛ ملصقات في كل شوارع القرى العربية المنهكة، صورٌ لمرشحين يرتدون البدلات الأنيقة في شوراع تملؤها الحفر. إنه المشهد الفقير بامتياز. واجتماعات على أعتاب البيوت، وتبادل اتهامات داخلي سينحدر حتمًا نحو تناسي الواقع الذي نحياه، "نحن الأفضل"، "لا، لا نحن الأفضل"؛ تحالفات وانكسارات، وتجري "التيلونوفيلا" نحو النهايات المفتوحة. عند النتيجة، سننطلق نحو روتين آخر، وقصة مكرورة... ولكن قبل أن تضع العاصفة أوزارها، نقول بكل ما أوتينا من غضب: حان وقت التغيير، أو على الأقل إعادة النظر بكل هذه المسرحية المتكررة!

التحديات التي تحياها الأقلية الفلسطينية لا تحتمل "العودة على بدء"، فهي أصلاً أقوى بكثير من خطاب لانتخابات كنيست. الحال تزداد سوءًا من انتخابات إلى أخرى. فالكنيست المنتهية ولايتها في هذه الأيام كانت مرتعًا للقوانين العنصرية ضد العرب ووجودهم. سعت نحو تعزيز يهودية الدولة على حساب المواطنين الأصليين للمكان، المحكمة العليا تصادق على مظاهرة لليمين المتطرف في أم الفحم: مكاتب تجنيد الخدمة المدنية تخترق "عاصمة الجماهير العربية" في الناصرة، وتقارير عن زيادة عدد "المجندين العرب" وبوادر انفجار يطلقها الهواء. أكثر من 25 في المئة من المصوتين يدلون بأصواتهم إلى الأحزاب الصهيونية في كل مرة. وبلاد عربية تنقسم بين "كاديما" و "الليكود". هل تريديون معطيات أكثر سيئة لنجلس سويًا وفحص خطواتنا الماضية لنتقدم؟ على القضية ألا تكون انتخاب نائب، على القضية أن تنتج نائبًا يولد من رحمها لا أن يركب عليها ليكبر ونحن مجرد ناظرين!

وهل فشلنا؟
لن نقول إننا فشلنا في الامتحان، سنقول إنَّ الوقت قد حان لتكتيك جديد في ظل تضخم التحديات، لا الجمهور ولا الواقع سيحتملان الصراعات الحزبية الضيقة، وهي ضيقة. هنا، مكان يطلب توجيه السهام نحو المعركة الحقيقية، ضد انجرار جزء منّا إلى معسكرات تنكر وجودنا، ضد أصوات "شاس" في كابول و"كاديما" في جسر الزرقاء، وغيرها من البلدات العربية. المعركة ضد من يدعو إلى ربط حقوقنا بواجبتنا، ويجعل من مخصصات "التأمين الوطني" معروفًا لنا. فالجمهور لن يحتمل نقاشًا داخليًا ولا الأنباء عن "اجتماعات من أجل الوحدة" ليعلن كل طرف بعد حين عن أنّ "المفاوضات انفجرت بسبب تعنت الطرف الآخر"، ليلي الحدث تبادل اتهامات لا ينتهي.

الجمهور لن يحتمل ترك الأيدولوجيات والتمسك بالحديث عن المقاعد، ولن يحتمل ادعاءات تقول إن "التعددية مطلوبة" بعد افشالهم الوحدة. نحن نؤيد التعددية القاضية بفصل الديني عن العلماني، وبناء جسم ليبرالي علماني تقدمي وقومي في مقابل كل ما تبقى من تحديات. فلا تجعلوا من هذا الأمل رهينة للصراعات الضيقة. فالجمهور لم يعد قادرًا أيضًا على أن يكون طعمًا للأحزاب الصهيونية وسؤالها الرخيص: "ماذا فعلت الأحزاب العربية للعرب؟!"

عذرًا لأننا لم نمت!


مدينة الأسوار كتبت عنوانًا آخر أهدته للتاريخ على جنح العاصفة. يخيَّم الظلام على صورة البيوت المحروقة، على الشوارع البائسة. تحاول حلم نابليون أنْ تحيا مجددًا، أن تستعيد رونقها المفقود، ليعودَ المشردون الباكون إلى ديارهم، وأن تنتهي تفاصيل الحدث. لكن علينا التوقف قليلاً قبل أن يسدّل الستار على مشهد المدينة، علينا أن نعي بأنَّ الجرح لم يندمل بعد، وأسئلة تبحث عن إجاباتٍ مفقودة. إنَّها التساؤلات ذاتها، والمفارقات ذاتها، فكيف لنا، نحن العالقين بين العواصف، أن نفسَّر موقفًا، حين أصدرت فيه القيادة المحلية في عكا بيان اعتذار فضائحيًا لـ "يهود المدينة" (وقادتهم) في وقت كانت العائلات العربية المشردة تقف عاجزة عند الظهيرة في ساحة البلدية تنتظر من يرافقها لجلب حاجاتها من بيوتها المحروقة. كان المشهد فظيعًا إلى حد البكاء، وبينما كان النازحون العكيّون يبكون مرارة البعد عن البيت عنوةً، كان الاعتذار يضرب أدراج الرياح داخل قاعة البلدية. على ماذا اعتذرتم يا بعض "قادتنا المحلية" الأعزاء، يا متقني اللغة العبرية بكل ما تحمله من تملق؟

بيان الإعتذار صدر بالعبرية سرًا، لم يترجم للعربية. وقَّع عليه عدد من "وجهاء المدينة"، عضو البلدية أحمد عودة غضب ولم يوقّع على البيان، وجزءٌ كبير من أهالي المدينة استهجنوا الحدث. البيان المذكور تمَّ دون استشارة القيادات القطرية (فهي أيضًا كانت غائبة ومنشغلة بانتخابات السلطات المحلية)، ونشر الأعتذار في وسائل الاعلام العبرية (لا العربية) دون مرجعية،َ مضمونه غضَّ الطرف عن المسألة الحقيقية البائسة التي يعيشها أهل المدينة العرب من تهويد وتهميش وبطالة وفقر وعنصرية. القادة الموقعون على الاعتذار يدّعون بأنّ البيان جاء لإعادة "التعايش" إلى المدينة، لكنَّهم سعوا بهذا إلى المستحيل، فلم يكن تعايش لإعادته أصلاً، وقد تحول البيان من سعي للتهدئة، إلى سعي لا مباشر لتحويل المدينة التاريخية، ذات الحضارة المقدسة ثقافيًا، الى بلد الأسماك وعصير القصب. لكن عكا أكبر بكثير من أن نحصرها في صحن من الحمص!

وما بالكم حين لايقبل رئيس البلدية شمعون لانكري الاعتذار؟ فيغضب العرب على موقفه؟
أيها الموقعون، لماذا على لانكري، واضح النوايا لتهويد المدينة، أن يقبل اعتذارًا منكم، في حين أنَّ اعتذاركم يصف "المجموعة القليلة" (من شبّان عكا) بأنهم قاموا "بذنب لا يغتفر"، معتبرًا حرق البيوت العربية "ردًا" على أفعال العرب؟ فأنتم في بيانكم لم تغفروا لشبّانكم، فماذا تتوقعون من لانكري وغيره؟ أن يغفروا لشبانكم؟ لقد اختار لانكري، للأسف، بعد الاعتذارات، أنْ يقف في قلب عكا ويقول: "عكا لنا ستبقى لنا إلى أبدِ الآبدين"، فهو مقتنع تمام الاقتناع، قبلكم بأن التعايش بدعة يكتبها الحاضر للتغطية على المصائب الحقيقية. فعلى ماذا اعتذرتم يا قادتنا الأعزاء؟

المواطن العكي، توفيق الجمل، تحول بين ساعة وضحاها إلى نجم الحقيقة المرّة التي تعيشها مدينة الأسوار المحاصرة. لم يعرف المواطن البسيط، قبل الحدث، الطريق إلى "الكنيست الكبير"، لم يعرف بالتأكيد، أنه يستطيع الحضور إلى قلب لجنة الداخلية. أن يتحمل، دون أن يدري، مسؤولية المواجهات التي أشعلت المدينة. كان واضحًا، حتى لو لم يعترف أحد، أن هناك من دفعه نحو "الاعتذار"، ليتربعوا هم في العناوين، ولتعتقله الشرطة على ذمة التحقيق.

نحن لسنا ضد الاعتذار. قد تكون المشاعر حرّكت بعض الشبّان العرب نحو ارتكاب الخطأ حين حطَّموا زجاح المحال التجارية في شارع بن عامي. أحداث مثل هذه دائمًا مؤسفة. فالعنف لم يكن ذات يوم حلاً ناجعًا، لكنَّ دراسة الحدث وتطوراته وأبعاده في مثل هذه الحالة واجب، فقد كان غضبهم ردًا على رهن المدينة بأيدي ثلة من اليمينيين يتربصون الشارع شرًا. فالقضية الأساسية هي أن بيوتًا عربية حوصرت لمجرد كونها عربية خرج أهلها من هناك تحت هدير التهديد والحجارة والهتافات العنصرية. مشهد الأطفال والنساء النازحين يعيد المشهد إلى أيام ماضية لا تزال تلقي بظلالها على الواقع الأسود. العائلات النازحة عن بيوتها جلست في الفنادق دون أن تملك الحد الأدنى من الحاجيات. والوحدات الخاصة لم تسعف الواقع، ربما أرادته أشدّ سوادًا كي تتحرك. هذه هي القضية الأساسية، وهل علينا الاعتذار لأننا كدنا أن نموت ولم نمت؟

وقيادتنا القطرية؟!
لقد حضرت بعض القيادات العربية القطرية إلى مكان الحدث وسجّلت موقفًا ليس كافيًا. حضرت الاحزاب، لكن ليس بقوة. حضور ينقصه الالتفاف. لا كوادر ولا نشاطات. كيف لا وهم منشغلون في ترتيب القوائم المحلية، في مأسسة العائلية، وفي التناحر الأزلي على الأصوات؟. كان التعاطي مع عكا وكأنَّها "مسألة محلية"، لكنَّها قطرية بامتياز. أين لجنة المتابعة التي كان غيابها حاضرًا في كل مكان؟ وهل أحداث عكا لم ترتق إلى مستوى تحدياتها؟ وهل ثمة ما هو أهم من الصراع على الوجود؟
لم تعمل قيادتنا على رفع عكا إلى قلب العنوان. كان على قضية التهويد المتسلل إلى بيوتها أن تطرح بقوة، كان على الوضع الاجتماعي والسياسي في البلدة القديمة أن يطرح بقوة. كان على القيادة أن تستغل المأساة لإزالة المأساة، أن ترتقي بعكا نحو سلم الألويات بأساليب حضارية، بالعقل لا بالمشاعر. لكنَّ الأسف يتسلل دائمًا إلى المشهد، عكا اليوم تطوي صفحتها نحو عنوان آخر أو نحو عاصفة أخرى!

بقعة ضوء

مجموعات وجمعيات مدنية قامت بإحياء صمت المدينة. تنظيم جولات في السوق: مسرح وفنون وبازرات أعاد للشارع العكي رونقه بعد المواجهة، وأظهر أن عكا تحيا بأهلها ولا حاجة لمهرجان للمسرح الآخر ليحييها. كانت خطوات مباركة فعلاً، ايجابية في الواقع السلبي. لكنَّ على الجميع أن يعرف، من المواطن إلى القيادي، أن نشاطات كهذه، قد تنعش المدينة من صمتها، لكنّها لن تحييها من موتها المؤقت، ولن تنهي زحف الجمعيات الاستيطانية إلى حجارة أسوارها المتعبة.