الأحد، 2 نوفمبر 2008

قبل أن يتسلل الجنون!


الهواء يطرق النافذة مصفرَّا، والشمس تتجه نحو مولدٍ آخر، إلى بلاد أخرى، ليكتسي البحر بلونه الرمادي العائد إليه من جديد. قطرات الماء تداعب الأسفلت رويدًا رويدًا حتى تستحله إلى بعد حين. الشتاء يعود هذه المرة بعنف الرومانسيين دون أن يحذر من عواصفه المستفحلة. سنرتدي الملابس الثقيلة، ونخشى أن يعشش فيها دخان السجائر في الحانات المغلقة. وهكذا قرّر العرب، أن الرومانسية تأتي مع الشتاء حتمًا.

وماذا يفعل كارهو الانفلونزا والبرد المعشش في زوايا الشوارع؟ عليهم الاعتياد، تمامًا كما اعتاد محبو الشتاء حرّ الصيف. هكذا يتفق الناس على ما هو قادم من السماء ويرضون بالواقع حين يكون مفروضًا عليهم. يبرمون اتفاقًا بديهيًا، ويلتزمون به قبل أن يوقع. كلهم راضون بـ "المكتوب".
ولكن السيناريو العبثي يأتي حين يعرض الأمر للتصويت. عندها ستشتعل الأمور بين المحبين والرافضين، وسيتجلى الخلاف مع بداية كل فصل... أحيانًا، الديمقراطية تقلب معايير الهدوء في شعب أدمن النقاش والخلاف على الهواء...

سؤال!
لكن الحياة ليست محصورة بالشتاء، ثمة قضايا لا تصلح لها العبارات الرومانسية. سنجد دائمًا على ماذا نختلف دون حاجة للاختلاف على الطقس والطقوس. فقد وعدنا الهواء بما يكفي من عهود الأرق: من تهديدٍ إلى حرب وإلى توتر، ومن انتخابات محلية إلى قطرية، ومن كل شيءٍ إلى لاشيء، كم كثرت التفاصيل، حتى تسلل الجنون إلى أبسطها، ليجد الإنسان العاديّ نفسه واقعًا في تناقضاته الذاتية، وعالقًا في شباك التساؤل. نعم، نعترف مرغمين، بأننا لم نولد في بلاد باردةٍ تدلل أبقارها في موسم الحليب، ولا يصحو أبناؤنا على صوت الدولفين المتصاعد من البحيرة القريبة. فنحن العالقين الأزليين في أرض "البرتقال الحزين"، وصرنا رهينة لكل مقومات الجنون. فهل ندرك معنى الجنون؟

ما بالكم حين تتجه "باحة الديمقراطية" للمرة السادسة إلى صنادق الاقتراع منذ العام 1996؟ لن نناقش المسألة، سنتجه مرغمين أو مسيّرين نحو السيناريوهات الأزلية ذاتها، وسنمشي متخوفين من وراء الشعار، وفقدان الخطاب؛ ملصقات في كل شوارع القرى العربية المنهكة، صورٌ لمرشحين يرتدون البدلات الأنيقة في شوراع تملؤها الحفر. إنه المشهد الفقير بامتياز. واجتماعات على أعتاب البيوت، وتبادل اتهامات داخلي سينحدر حتمًا نحو تناسي الواقع الذي نحياه، "نحن الأفضل"، "لا، لا نحن الأفضل"؛ تحالفات وانكسارات، وتجري "التيلونوفيلا" نحو النهايات المفتوحة. عند النتيجة، سننطلق نحو روتين آخر، وقصة مكرورة... ولكن قبل أن تضع العاصفة أوزارها، نقول بكل ما أوتينا من غضب: حان وقت التغيير، أو على الأقل إعادة النظر بكل هذه المسرحية المتكررة!

التحديات التي تحياها الأقلية الفلسطينية لا تحتمل "العودة على بدء"، فهي أصلاً أقوى بكثير من خطاب لانتخابات كنيست. الحال تزداد سوءًا من انتخابات إلى أخرى. فالكنيست المنتهية ولايتها في هذه الأيام كانت مرتعًا للقوانين العنصرية ضد العرب ووجودهم. سعت نحو تعزيز يهودية الدولة على حساب المواطنين الأصليين للمكان، المحكمة العليا تصادق على مظاهرة لليمين المتطرف في أم الفحم: مكاتب تجنيد الخدمة المدنية تخترق "عاصمة الجماهير العربية" في الناصرة، وتقارير عن زيادة عدد "المجندين العرب" وبوادر انفجار يطلقها الهواء. أكثر من 25 في المئة من المصوتين يدلون بأصواتهم إلى الأحزاب الصهيونية في كل مرة. وبلاد عربية تنقسم بين "كاديما" و "الليكود". هل تريديون معطيات أكثر سيئة لنجلس سويًا وفحص خطواتنا الماضية لنتقدم؟ على القضية ألا تكون انتخاب نائب، على القضية أن تنتج نائبًا يولد من رحمها لا أن يركب عليها ليكبر ونحن مجرد ناظرين!

وهل فشلنا؟
لن نقول إننا فشلنا في الامتحان، سنقول إنَّ الوقت قد حان لتكتيك جديد في ظل تضخم التحديات، لا الجمهور ولا الواقع سيحتملان الصراعات الحزبية الضيقة، وهي ضيقة. هنا، مكان يطلب توجيه السهام نحو المعركة الحقيقية، ضد انجرار جزء منّا إلى معسكرات تنكر وجودنا، ضد أصوات "شاس" في كابول و"كاديما" في جسر الزرقاء، وغيرها من البلدات العربية. المعركة ضد من يدعو إلى ربط حقوقنا بواجبتنا، ويجعل من مخصصات "التأمين الوطني" معروفًا لنا. فالجمهور لن يحتمل نقاشًا داخليًا ولا الأنباء عن "اجتماعات من أجل الوحدة" ليعلن كل طرف بعد حين عن أنّ "المفاوضات انفجرت بسبب تعنت الطرف الآخر"، ليلي الحدث تبادل اتهامات لا ينتهي.

الجمهور لن يحتمل ترك الأيدولوجيات والتمسك بالحديث عن المقاعد، ولن يحتمل ادعاءات تقول إن "التعددية مطلوبة" بعد افشالهم الوحدة. نحن نؤيد التعددية القاضية بفصل الديني عن العلماني، وبناء جسم ليبرالي علماني تقدمي وقومي في مقابل كل ما تبقى من تحديات. فلا تجعلوا من هذا الأمل رهينة للصراعات الضيقة. فالجمهور لم يعد قادرًا أيضًا على أن يكون طعمًا للأحزاب الصهيونية وسؤالها الرخيص: "ماذا فعلت الأحزاب العربية للعرب؟!"

هناك 3 تعليقات:

صبحي خطيب يقول...

أظن أن الجمهور العرب تهمه الانتخابات المحلية أكثر بكثير من انتخابات الكنيست. ففي الأولى نزعة عائلية متوارثة وحلم بوظيفة بالمجلس المحلي أو بناء سور أو تزفيت الشارع.. وفي الثانية يكون التصويت حسب علاقة وجهاء العائلة بمسؤولين حكومين وايضاً لإعتبارات مادية بحتة، بعيداً عن أي فكر أو ايدولوجيا.
الوحدة كانت حلماً، ويموت هذا الحلم مع كل نداء بالتعددية بالرغم من ضرورة هذا الصوت.
المعركة هي ضد الفقر والجهل، هذه المصطلحات التي فقدت رنتها مع كثرة استعمالها هي واقع وحقيقة يومية للكثيرين، فكيف نتفاجئ (أو لا) كل انتخابات من التصويت لأحزاب صهونية، ونحن نعرف في قرارة أنفسنا أن اللوم يقع على المثقفين العرب البعيدين عن الواقع اليومي للعامل العربي البسيط، وعلى الأحزاب العربية التي تنادي بشعارات تعتبر احيانا صعبة الهضم فكرياً. ولست أستثني الجمهور من المسؤولية الملقاة على عاتقة، وففي النهاية كلنا جزء من هذا النسيج عمالا طلاباً مثقفين وقيادية.

واحد مستقل فكرياً يقول...

يبدوا أننا لن نتعلم الدرس أبداً إلا عندما تلقي وخزة مؤلمة..سجل أمامك القوائم العربية أو الشبه.. للكنيست :
1- الحركة الإسلامية الشمالية والتجمع الوطني الوحدوي الديمقراطي.
2-الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحزب الشيوعي الإسرائيلي وأوساط سلام يهودية وعربية أخرى.

أتمنى أن لا يكون الوضع كذلك..ولكن....

تحياتي..

واحد مستقل فكرياً يقول...

يبدوا أننا لن نتعلم الدرس أبداً إلا عند تلقي وخزة مؤلمة..سجل أمامك القوائم العربية أو الشبه.. للكنيست :
1- الحركة الإسلامية الشمالية والتجمع الوطني الوحدوي الديمقراطي.
2-الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحزب الشيوعي الإسرائيلي وأوساط سلام يهودية وعربية أخرى.

أتمنى أن لا يكون الوضع كذلك..ولكن....

تحياتي..