الأربعاء، 1 أكتوبر 2008

"تمرَّد قلبي عليَّ"


هكذا، أغمض "لاعب النرد عينيه " تاركًا "أثر الفراشة". تمنى الكثيرون عودته إلى تلك الرقعة الخضراء المعزولة بين عكا وصفد ليدفن في ثراها تحت ألواح الصبر المتجددة دومًا، إلا أنَّ طقوس الموت لم تمنح الإرادة متسعًا. فلا فرق من أي بابٍ سيعود الكبير إلى التاريخ، أينما سيحل ستكون قضية: ألا يكفي أن يواري درويش الثرى إلى جانب أبو عمار لتكون رام الله في قلب القضية؟ تحت شمس رام الله، تسلل درويش مثل قصيدته نحو نومه المشتهى، مضى وعشرات الآلاف من ورائه ساروا على وقع القصيدة.

الثالث عشر من آب، ثمانية ضباط يحملون نعشه، يخرجون من قاعة "التشريفات" بعد "الطقوس الرئاسية" في مقاطعة رام الله، يضعون النعش على مركبةٍ عسكرية سوداء، لتسير من هناك ببطء، لتفتح الأبواب الحديدية الموصودة في وجوه آلاف المنتظرين خارجًا، ممن آثروا السير من وراء شاعرهم على انتظاره بعيدًا في "القصر الثقافي". يلتحم النعش بالموكب التلقائي، ليهدي درويش نفسه للمدينة التي لم يخترها ربما لتكون محطته الأخيرة.

الموكب الجنائزي يسير بهدوء جنوبًا: الطقس يعزّي السائرين في موت شاعرهم، كان حارًا، لكنَّ لهيبَه لم يشبه لهيب آب المعهود. الحضور آتٍ من كل مكان في فلسطين التاريخية، من قريته البروة المهجرة، ومن الجديدة المتعبة التي هجّر إليها، من مدينته حيفا التي عاش فيها ردحًا ثلاثي الأبعاد بين السجن والإقامة الجبرية والانطلاقة الشعرية. كلهم جاءوا لوداع شاعرٍ لسطوره فضل يذكرونه، أرادوا المشاركة في كل شيء لكن المسيرة "المنظمة" أبقتهم خارج المقاطعة لانتظار "الموكب العسكري": "هل الدبلوماسيون أحق منّا بدرويش؟ يطلبون منّي الهوية؟" قالت فتاة فلسطينية غاضبة، حين كانت تلف على نفسها كوفية فلسطينية، متسائلة "لماذا لم يدخلوننا؟" وقال آخر: "قرّاؤه من المخيمات أحق بالنظرة الأخيرة."

في تلك المسيرة يروي شاب من مخيم "العزة" عن علاقته بالشاعر الراحل: "كنّا ممنوعين في الانتفاضة الثانية من تعليق صورته. كان الجندي يسألني من هذا، أقول له "هذا عمي"، والجنود الجاهلون لم ينتبهوا، إلى حين اكتشف أحد الضباط أنه درويش ومزّق الصورة".

القصص لا تنتهي في تلك المسيرة، لكل واحدة علاقة تجمعه بطريقة ما مع الشاعر الذي جعل من سطوره أغنية لكل من فتّش عنها. وهناك ايضًا من الشبان من اختاروا أن يكون الموكب صاخبًا، ليشعلوا الشق الخلفي من الموكب بهتافات: "عالقدس رايحين، شهداء بالملايين".

على كل شجرة ولافتة ومبنى علقت صورته. الحضور المتنوع كان مجمعًا على شخص الشاعر: نساء وشباب واطفال يحملون صورته. وجدوا في تلك الجنازة استمرارًا ما بعد الفاصلة الأخيرة. ولا يخلو الامر من عشاق ساروا على بحره الشعري، ببطء إلى حيث الوداع. ألم يكتب درويش للعاشقين ايضًا؟

الصعود...إلى التلة
الناس يصعدون إلى تلك التلة، حيث القصر الثقافي، لافتة كبيرة تلتف من حول التلة: "محمود درويش في حضرة الغياب". في الافق كان مارسيل خليفة يغني "سلام عليك وأنت تعدين نار الصباح". ومن بعدها بدأ صوت درويش يصدح. هكذا تجلى الشاعر مثل قصائده الحديثه، يستقبل مودعيه بصوته المنبثق من مكان ما على التلة. لكن على تلك التلة أيضًا، لم يمنح، تنظيميًا، الشعراء فرصة لفراقه عبر خطاب. كان الدفن "سريعًا تمامًا، كخبر وفاته".

الناس يحاولون القاء النظرة الأخيرة، طفلة صغيرة تلف على كتفيها علمًا، تحمل صورة للشاعر الذي لم تعاصره، تطلب من والدها "بابا أرفعني لأره". كان التراب المنهال على جثمانه مشهدًا قاسيًا للمحبين: هناك من حبس دمعته، وهناك من ذرفها علنًا. وهناك من تأمل المشهد الأخير. خبر الموت يصبح واقعًا. درويش يوارى في الثرى برام الله.

سيرة الشاعر لا تفارق عيون المشيّعين. درويش يمضي إلى مكانٍ لا نعرفه. لم يقل الشاعر ما إذا كان الموت منفىَ أم أنَّ الحياة قبل الموت هي المنفى. لم يعد المنفى سؤالاً أصلاً، لأن الشاعر ترك سطورًا متناثرة في كل العالم لتحكي عن بطاقة الهوية، وجواز السفر وقرائته لطرفة بن العبد وانتظاره لعشيقة لم تأت بعدما وعدت في النصف بعد الرابعة. لقد ترك إيقاع القصيدة لتمتلئ القلوب بكل أسباب الرحيل، وتكتب في سرها حكاية عن رحيل جاء قبل موعده دون أن ينبهنّا كما نبّهنا بـ "انتظرها."

الدفن ينتهي، وصوت درويش لا يزال يجعل من الأفق مساحة للتأمل. الناس يعودون ببطء من حيث أتوا. هكذا، يغادر درويش هذه الرقعة الجريحة بعد المعارك الاخيرة. يغادر، قبل ان تنتهي المعارك الداخلية والخارجية. ينتهي مثل قصائده التي تفتح عند نقطة نهايتها ملايين الاسلئة، ليعيد المتأملين "هي أغنية... هي أغنية": "تمرد قلبي عليّ، أنا العاشق السيء الحظ"

هناك 5 تعليقات:

غير معرف يقول...

شكرا

غير معرف يقول...

ماده ممتازه!

غير معرف يقول...

ماده ممتازه!

Unknown يقول...

تحية من النظام العظيم للمتنورين إلى الدولة المتحدة وجميع أنحاء العالم ، هذه فرصة مفتوحة للانضمام إلى أخوة المتنورين حيث يمكنك استعادة أحلامك المفقودة ، وأيضًا حيث يمكنك رؤية نور الثروة والسعادة دون أي تضحية بالدم. ونحن ندفع أيضًا مبلغ 650،000 دولارًا أمريكيًا للترحيب بجميع الأعضاء الجدد عند انضمامهم إلى الأخوة وأيضًا منزلًا يختارونه وموقعه باستثمارات ، إلى جانب هذه الفرصة في الحياة ليصبحوا مشهورين.

الفوائد التي تم منحها لأعضاء جدد ينضمون إلومينياتي.
1. مكافأة نقدية قدرها 650،000 دولار أمريكي.
2. سيارة حلم جديدة أنيقة تقدر قيمتها بـ 150،000 دولار أمريكي
3. منزل الأحلام اشترى في البلد الذي تختاره.
شهر من المواعيد مع 5 الأفضل في العالم.
القادة و 5 من أهم المشاهير في العالم. إذا كنت مهتمًا ، فيرجى الاتصال بعنوان البريد الإلكتروني السابق = greatilluminate99@gmail.com



ملحوظة؛ هذه الأخوة المتنورين التي يمكنك الانضمام إليها من أي مكان في العالم ، الهند ، تركيا ، أفريقيا ، الولايات المتحدة ، ماليزيا ،
دبي ، الكويت ، المملكة المتحدة ، النمسا ، ألمانيا ، أوروبا. آسيا ، أستراليا ، إلخ ،


تحية المعبد الانارة الولايات المتحدة

Unknown يقول...

تحية من النظام العظيم للمتنورين إلى الدولة المتحدة وجميع أنحاء العالم ، هذه فرصة مفتوحة للانضمام إلى أخوة المتنورين حيث يمكنك استعادة أحلامك المفقودة ، وأيضًا حيث يمكنك رؤية نور الثروة والسعادة دون أي تضحية بالدم. ونحن ندفع أيضًا مبلغ 650،000 دولارًا أمريكيًا للترحيب بجميع الأعضاء الجدد عند انضمامهم إلى الأخوة وأيضًا منزلًا يختارونه وموقعه باستثمارات ، إلى جانب هذه الفرصة في الحياة ليصبحوا مشهورين.

الفوائد التي تم منحها لأعضاء جدد ينضمون إلومينياتي.
1. مكافأة نقدية قدرها 650،000 دولار أمريكي.
2. سيارة حلم جديدة أنيقة تقدر قيمتها بـ 150،000 دولار أمريكي
3. منزل الأحلام اشترى في البلد الذي تختاره.
شهر من المواعيد مع 5 الأفضل في العالم.
القادة و 5 من أهم المشاهير في العالم. إذا كنت مهتمًا ، فيرجى الاتصال بعنوان البريد الإلكتروني السابق = greatilluminate99@gmail.com



ملحوظة؛ هذه الأخوة المتنورين التي يمكنك الانضمام إليها من أي مكان في العالم ، الهند ، تركيا ، أفريقيا ، الولايات المتحدة ، ماليزيا ،
دبي ، الكويت ، المملكة المتحدة ، النمسا ، ألمانيا ، أوروبا. آسيا ، أستراليا ، إلخ ،


تحية المعبد الانارة الولايات المتحدة