الأربعاء، 1 أكتوبر 2008

أين آمنة اليوم؟!


المشهد مؤلم فعلاً: الغواص ينتزع حقيبة حمراء من قاع نهر "اليركون". الملايين السبعة في هذه البلاد يعرفون أن الطفلة روز، من اخترقت قلبونا دون اذن، تتواجد هناك... جثة هامدة.

لا يختلف إثنان على أن القصة مأساوية، تراجيدية حزينة إلى حد التأمل في فراغ اللحظة. وتكتسب مأساويتها من تضامننا الطبيعي وغير المشروط مع تلك العيون الزرقاء الدامعة، ليعود كل واحد منّا إلى طفل في داخله، فيتألم.

لكنَّ هذه المشاعر المستلقية في راهننا لا تمنح الإعلام العبري حقًا بأن يصنع من القضية "كرنفالاً" لمجرد أن القصة "تبيع". وتنشر الصحف العناوين الصاخبة، فتمتد القضية على كل الصفحات الأولى والاخيرة. التلفزيون ينصب كاميراته عند النهر، ليصبح كل غواص تبلل بالماء نجمًا. ويحل ديختر على مكان التفتيشات، ويلقي المفتش العام للشرطة بيانًا تلو البيان ليغطي على فشل الشرطة الإسرائيلية التي انحدرت في العقد الماضي الى مستويات لا يمكن الخوض بها لكثرتها. كلهم اليوم رهينة القضية، كيف ولا وهم بحاجة إلى هذه المنصات؟ فتنطلق فرق التفتيش نحو العثور على الحقيبة الحمراء، لينتهي المسلسل. القصة تستدعي تغطية إعلامية، لكن ليس "كرنفالاً" ووجود الشرطة قد يكون رائعًا ولكن كيف كانت ستتصرف الشرطة في مكان آخر بعيد عن الكاميرات؟

سنحكي قصة مشابهة بمعطيات وحيثيات مختلفة. في أوائل شهر تموز الماضي، خرجت آمنة عاصلة (15 عامًا) فتاة من قرية عرابة إلى الدكان في الحي الذي تسكنه في ساعات ما بعد الظهر ولم تعد. ثلاثة شهور مرّت تقريبًا على اختفائها دون التوصل إلى طرف خيط. أهل الفتاة يناشدون لكنَّ الصوت لا يزال مخنوقًا... آمنة ببساطة لم تعد.

الإعلام العربي نشر القضية، وأنزلها من العناوين، والمواقع العبرية ذكرتها بتواضع "الحديث عن الآخر". الايام تمر وكأن السماء لفّت آمنة: الناس ينسون، والأهل تأكلهم الشكوك والحسرة، الشرطة بحثت لكن البحث الآن انتقل الى مرحلة "التحليلات": لم يأت وزير الى عرابة، ولم يعقد المفتش العام مؤتمرًا صحافيًا. ففي عرابة لا يوجد "يركون"، توجد عين صغيرة اسمها "عين ناطف"، جفّت مياهها، ولا تصلح لاستيعات مؤتمر صحفي.

ليست هناك تعليقات: