الأربعاء، 1 أكتوبر 2008

لا تتركوا الرسالة فارغة!


الذكرى الثامنة: الصور ذاتها، تعود إلينا ببطء الحائرين. ننظر إلى أفقنا المغبَّر عاجزين عن تشخيص الموت في الحياة. نحاول الهروب من فراغنا القاتل نحو لوم الزمن: "غدرنا الوقت، فهو يمضي بسرعة"، لكنَّ الوقت يمضي بسرعة الوقت، ونحن الواقفين في أماكننا، نسأل في هذه الآونة عن كل ما ليس هامًّا متجاهلين واحدًا عليه أنْ يطرح بقوة الرصاص: أي ثمن سيكون لدخان الموت المتصاعد من أكتوبر 2000، أمام العجز القاتل فينا؟

إنَّه المشهد المحزن دومًا، حين يهّبُ عشرات الآلاف إلى استاد "الدوحة" في سخنين، لمشاهدة مباراةٍ لكرة القدم ولا يجتمع سوى العشرات في مسيرة لاحياء ذكرى أكتوبر في مثلث يوم الأرض. إنه المشهد القاتل ذاته حين يجلس غالبية رؤساء المجالس المحلية العربية (وهم بغالبيتهم نتاج العائلية) على مقاعد "القيادة" في اللجنة القطرية والمتابعة العليا، يحرثون الأرض آلاف المرات لإنجاح أنفسهم في قراهم ولا يرّصون صفًا واحدًا لمسيرة أو نشاطٍ وطني. إنّه العجز التام حين نصفن متأملين في صناديق الاقتراع، قبل أن يندمل الجرح النازف من أكتوبر، ونرى أنَّ إيهود باراك، المسؤول الأول والفعلي عن الأحداث يفوز بغالبية أصوات "عرب حزب العمل" ويعود إلى وزارة الأمن... بـ "فضل العرب". لقد أثارت تلك المعطيات سخرية معاونيه حين قالوا، "على ما يبدو، فكلما كنت قاسيًا مع العرب أحبوك"! فل صدقوا؟
ما دور القيادات إذًا، حين يعجز شعب المليون ومئتي ألف فلسطيني عن إنجاح إضرابٍ ليومٍ واحدٍ، كخطوة احتجاجية سلمية المضمون، لإحياء ذكرى مفصلية في مسيرة شعب، خوفًا من "عدم النجاح"؟ ما قيمة القيادة أصلاً حين لا تفرض قرارها بأسنانها على الشارع؟ وما قيمتها حين تتحوّل مهامها إلى "الخوف من عدم النجاح" و"الإفطار على مائدة رئيس الدولة"؟
سنعجز عن تفسير المشاهد العبثية يا أعزائي، حين يكتب جدعون ليفي مقالاً في "هآرتس" يدين فيه العرب المنتمين للأحزاب الصهيونية ويهاجمهم على دعمهم لشاؤول موفاز، فيرد عليه نائب وزير الخارجية العربي مجلي وهبي (كاديما)، متفاخرًا بالمفاوضات التي تجريها تسيبي ليفني مع "جيراننا" (أصبح الفلسطينيون "جيراننا")، لتكتمل المفارقة. ليفي يكتب كل أسبوع عن ألم الفلسطينيين في زاويته، وبماذا ينشغل وهبي؟ نسينا أنه أعلن على الملأ بمقاطعة "الجزيرة" لأنَّها "منحازة" للفلسطينيين. وهذا انجاز عظيم له!
لا تتركوا الرسالة فارغة للجيل القادم، يكفيه ما يواجه من تحديات. ماذا سنقول لصغارنا المنسيين على الشبكة، المتنقلين بين "البوب" و "باب الحارة": إنَّ وضعنا اليوم أفضل؟ لدينا وزير عربي (إسرائيلي) جميل الطلة، يشارك في إحياء ذكرى الرياضيين الإسرائيليين الذين قتلوا في ميونخ ولا نراه يومًا في ذكرى وطنية؟ هل سنقول لهم إنَّ أوفير بينيس من حزب العمل انسحب من الحكومة احتجاجًا على انضمام أفيغدور ليبرمان إليها فدخل مكانه وزير عربي ليجلس إلى جانب ليبرمان؟!
كل ما في الأمر أنَّ الأفق يحتاج لشمعةٍ تكسر الظلمة بنورها المتواضع. لكنَّ لاقيمة للشمعة في طابور المنتظرين للحمة العيد: بعد ثلاثة أو أربعة أيام (الامر يتعلق بهلال لا نعرفه)، في الذكرى الثامنة لأكتوبر، سيحتفل المسلمون بفطر "سعيد". وسيكون الدخان المتصاعد من المنقل، أقوى بكثير من ذلك الدخان الأسود الذي خلّف من ورائه 13 شهيدًا..


وكيف لنا أن نسّلم؟
الليل يكسو مدينة الأسوار المحتلة: شاب فلسطينين يدهس مجموعة جنود على مقربةٍ من البلدة القديمة. ترتطم السيارة بالجدار، يستل ضابط إسرائيلي سلاحه ويطلق النار على رأس الشاب الفلسطيني حتى يفارق الحياة. يركض الضابط الاسرائيلي: "أنا من أطلق النار عليه". بعد دقائق سيصبح بطلاً قوميًا، وتلقى اتصالاً من قائد هيئة الأركان شخصيًا، وقال له "أحسنت. هكذا على الجنود أن يتعاملوا".
هل كانت عملية الدهس مقصودة؟ أم أنَّها حادث سير في بلاد حوادث السير؟ لا أحد يعرف، الشاب أخذ "السر" معه وغادر. العائلة تشدّد على أنَّ ابنها "لم ينتمِ لتنظيم يذكر، وكان في طريق عودته للبيت". لكن أحدًا لا يسمعهم. المنبر الآن متروك للشرطة وأجهزة الأمن. وباراك يستعجل هدم بيت العائلة.
في عودة إلى التاريخ، وفي صيف العام 2005، اعتلى الجندي ناتان زادة الباص رقم 165 المتجه من حيفا إلى شفاعمرو. عندما وصلت الحافلة وسط المدينة بدأ بإطلاق النار إلى كل حدبٍ وصوب: سقط اربعة شهداء، وعدد من الجرحى. بعض من شبان المدينة أوقفوا المجزرة وقتل زادة.
بعد عامين من المجزرة، اعتقل سبعة شفاعمريين بتهمة الـ "قتل": سجن وشروط مقيدة وكفالات وحبس منزلي. ولوائح الاتهام قيد البحث.
هل وصلت الرسالة؟

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

ente kter mahoob firas sa7fi be jadra

غير معرف يقول...

مبروك المدونه. بدات بالقراةه اليوم. سعيد انني تعرفت على الكاتب فراس خطيب وارجو له التقدم والبروز.