الأربعاء، 1 أكتوبر 2008

ميرا


ميرا، لا تعرف شيئًا عن يومي المثقل بالأوراق. لا تعرف أني حدقت في فراغ الورقة الصفراء مليون لحظة لأخط شيئًا عن شيءٍ، لكني لم أعرف شيئًا من شيءٍ. ترجلت ميرا نحوي برفقٍ، حاملة قصة جديدة، أردات مني أن اكون تلميذها للحظة، أو لساعة أو لبرهة، لتحكي لي عن "الأميرة النائمة"... حتى تنام هي!

ميرا تلفظ من كل خمسة حروف اثنين لا ثالث لهما، لكنها واثقة جدًا مما لا تلفظه. كانت تقلب صفحات قصتها وكأنها تقرأ، لكنها لا تجيد القراءة، وأنا، "خالو"، من يجيد القراءة، قلبَّت ملايين الصفحات في ذلك اليوم ولم أفهم القصة...

كنت أحدق في عينيها هروبًا من عناويني الصاخبة، من الحبر الأسود العالق على يدي منذ الصباح الباكر. كنت أحدق في عينيها هروبًا من احتلال الموج لشاطئي الأزرق؛ من قهوتي الصباحية السمراء وجارتي السمينة الكريهة وذلك المدمن الملقى بجانب الرصيف.

كنت أحدق في عينيها هروبًا من الحسناء الزانية الواقفة مثل مسمار عند محطة الباص انتظارًا لقوادها، من ضابط الأمن عند باب المكتب المغلق، من عامل النظافة القادم من روسيا، تسع سنوات لا يتقن حرفًا بالعبرية، وان أتقنه تلعثم بالثاني؛ من السكرتيرة المتوسطة التي قررت الانفصال عن زوجها إلى الحرية لتتفرغ للمحامي الفاشل الذي يسترق النظرات نحوها من بين ملفاته العتيقة الفارغة. كم كانت ميرا أبعد، أخذتني من هناك إلى هناك، وجردتني من غبار المدينة المتعب بصوتها حين حكت لي: "وسارت الأميرة".

ميرا تنهي قصتها كما تشاء، لم تفكر برئيس تحرير ولا مصحح لغوي. لم تفكر بدار نشر ولم تعدّ الكلمات وحروف الجر ولا أخوات إنَّ ولا التوكيد ولا البدل، لم تضع عناوين ولا نهايات. لقد حكت قصتها كما تشاء، وأنت خذ ما تشاء. قصتها متكاملة، كما تراها هي على الاقل.

ميرا لا تقاوم نعاسها مثلي بكأس قهوة مسموم، لا تريد أن تقاومه اصلاً، تنام حين تشاء، وتستيقظ أيضًا. تترجل نحو نومها بهدوء دمث، وتضع رأسها بجانب ذاكرتي، هي لحظة حتي ينبعث من وجهها نور يضيء حلكة المساء. هذا المساء أنت أسير لحظة في عينيها النائمتين فتنظر إلى ذلك الوجه الغرائبي مبتسمًا، مهذبًا وفرحًا، متخبطًا بمليون شعور، وتتوسل اليها بصمتك المشحون، تتوسل الى ذلك النفس المنبثق بإيقاع ملتزم، ترجوها إلى حد الدمعة، ميرا، يا عزيزتي، يا حبيبتي، يا كل شيءٍ أنت، أرجوك.... لا تكبري.

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

النص رائع، ومن يعرف ميرا يدرك انها اروع من النص

meral يقول...

مشكور